تحرکات داعش فی سوریا

في آب 2017 ،كان لبنان على موعد مع التحرير الثاني الذي قضى على وجود تنظيم داعش في الجرود اللبنانية بتعاون مشترك بين عملية "فجر الجرود" من قبل الجيش اللبناني وعملية "إن عدتم عدنا" التي أطلقتها المقاومة والجيش السوري لتحرير الأراضي السورية المحاذية للحدود اللبنانية. وتحررت المحافظات العراقية، وآخرها الموصل، في كانون الأول 2017 .و مع سقوط الميادين والبوكمال في سوريا في العام ذاته، آخر قلاع داعش، أعلن القائد الحاج سليماني اجتثاث الفتنة الأمريكية الصهيونية وانهاء سيطرة هذه الشجرة الخبيثة نيابة عن القادة والمجاهدين وآلاف الشهداء والجرحى في رسالة تزف النصر إلى سماحة الإمام القائد الخامنئي. و في آذار 2019 ،تم إعلان روسيا والتحالف عن القضاء على آخر جيب لداعش شرق الفرات، في بلدة الباغوز شرقي دير الزور. وكماكانت داعش فتنة أمريكية التخطيط باعتراف أعلى منصب رسمي أمريکي، عملت أمريكا على استعادة تنمية جذور التنظيم الإرهابي؛ فقد بدأ نشاطه بالعودة تدريجي استمر تهديد بقايا التنظيم في هجمات متفرقة في العراق وسوريا على القوات العراقية والسورية وحلفائها، فضلاً عن استمرار تهديد داعش في العراق وسوريا من خلال داعمي التنظيم ومؤيديه من المدنيين.

على مدى عام 2020 ،أحصى مركز الرصد السوري أكرث من 480 عملية لخلايا داعش ضمن مناطق قسد في دير الزور والحسكة والرقة ومنبج. اليوم، وبعد أقل من عامين على هزيمة داعش في سوريا تصاعدت العمليات الإرهابية مجددا، وشهدت البادية السورية هجومين خلال أقلمن أسبوع استهدفت الجيش السوري؛ الأول على طريق أثريا السلمية، والثاني جنوب دير الزور. ومع هذا التصعيد يعلن داعش عودته إلى الساحة السورية، لكن السؤال ما هو مقدار هذه العودة؟ هل ستشهد سوريا هجمات منظمة وممنهجة، أو عمليات عشوائية؟ وهل داعش في طور الاحياء ليعيد ذات التجربة الفاشلة أم سيكون هناك هيكلية جديدة أو تنظيم جديد من فلول داعش؟ والسؤال الأخطر هل هي عملية استجماع قوة أو توجيه مخابراتي، ومن المستفيد من إعادة انبعاث داعش؟ ويمكن إجمال مشهد تحركات داعش في المرحلة الحالية ورسم ملامح الوضع المستجد بتقريب الصورة عبر استعراض اهم مقومات بقايا التنظيم في سوريا.

مقومات فلول داعش:

1.العنصر الجغرافي

شكّلت بادية دير الزور والرقة منذ عام 2017 البديل لداعش بعد خروجه من الباغوز ، واتخذها مخبأ لخلاياه ، وتركزت أوكارها في عمق الصحراء السورية : في جبل البشري في الجنوبي الشرقي للرقة ، الدفينة في جنوب غرب دير الزور ، والمنطقة الصحراوية بين تدمر والسخنة من الغرب ، ومنطقة 55 في الجنوب ومحطة T2 لضخ النفط من الشرق . وهي منطقة تمتد من بادية دير الزور وريفها الغربي ، في أجزاء من جنوب دير الزور والرقة ، وبادية حماه وبادية حمص ، إلى شمال شرق تدمر ، بالإضافة لتواجده في بادية السخنة وشمال الحدود الإدارية لمحافظة السويداء ، وتصل حتى منطقة التنف . وتساعد طبيعة المنطقة الجغرافية بتضاريسها التنظيم على التخفي في المخابئ الطبيعية من جبال وكهوف ، فضلا عن اتساع المساحة الكبيرة ، التي قد تزيد عن أربعة آلاف كيلو متر مربع ، وقد سعت خلايا التنظيم خلال عام 2020 إلى تعزيز وجودها في ريف دير الزور الشرقي وفي مناطق شاسعة بالبادية السورية . ولا بد من الإشارة إلى المقومات الذاتية لدى داعش في التكيف مع الطبيعة الجغرافية القاسية بما يسهل عليهم التحرك والتأقلم مع العيش في ظروف البادية .

2.الموارد المالية

يفيد أحدث تقرير من المفتش العام للكونغرس الأمريكي حول عملية العزم الصلب ، والصادر في تشرين الثاني 2020 ، أن داعش تواصل جمع الأموال عبر شبكات تهريب النفط وشركات واجهة وشركات خدمات الأموال ، وأن الاحتياطي النقدي المتاح لديها يصل إلى مليون دولار . ويصف التقرير ذاته أن إيرادات داعش " غير مستقرة " بسبب الافتقار إلى الأراضي وعائدات النفط . عمدت خلايا داعش منذ اندحارها من الباغوز إلى تأمين مصادر تمويل لها عبر إجبار الناس على دفع الزكاة سواء في المناطق السابقة التي شكلت ما يسمى " دولة الخلافة " أو في محافظة إدلب .

3.العديد

يفيد تقرير صادر عن الأمين العام للأمم المتحدة في آب 2020 وجود أكثر من عشرة آلاف مقاتل ناشط من داعش في العراق وسوريا - أي أن العدد لا يشمل الخلايا النائمة - وهم يعملون بحرية عبر الحدود العراقية السورية ، وفقا للتقرير ذاته ، يحدد بعض الخبراء عدد المقاتلين في البادية السورية ما بين 1500 و 1800 ، ينتظمون في 15 إلى 20 مجموعة نشطة في الرقة وحمص ودير الزور ، مع وجود 70 % من جميع المقاتلين في الحزام الحضري على طول الجانب الغربي من منطقة الفرات . ويعمل التنظيم على إعادة تجنيد الشباب السوري باستثمار الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا ، لاسيما في مخيمات النازحين ، وفي طليعتها مخيم الهول في محافظة الحسكة على الحدود السورية العراقية

4.التكتيك الميداني

تعتمد فلول داعش على استراتيجية القتال القائمة على الهجمات المباغتة والكمائن لاستنزاف قوات النظام وحلفائها . وتلجأ إلى هجمات ينفذها عدد قليل من المسلحين ضمن مساحات مفتوحة بين محافظات دير الزور والرقة وحماه وحمص وصولا إلى محيط منطقة 55 في التنف . وتنتشر حدود تحركات خلايا داعش العسكرية ما بين منطقة شرقي الفرات الخاضعة لقوات قسد وغربي الفرات الخاضعة لقوات السلطة السورية ، وتنشط حركة داعش في التنقل أثناء الليل في مجموعات وتسيير دورات ترفع راية التنظيم بشكل علني . ويرى العقيد عبد الجبار العكيدي- غازي عينتاب- أن تنظيم داعش يستعمل عمليات الإغارة ، وتنفذ في مناطق الهضاب والجبال من قبل مجموعة من العناصر ما بين 10 إلى 15 عنصرا ، يملكون فيها أسلحة وأجهزة رصد ، بما يسهل عليهم عمليات الهجوم . وتظهر بعض العمليات الهجومية تدخل عناصر بالعشرات حسب الحاجة والهدف . كما يعمد التنظيم إلى أسلوب زرع الألغام والاغتيال والمداهمة السريعة والهجمات بالأسلحة الصغيرة والثقيلة ، فضلا عن التمويه والتضليل باستخدام أزياء مدنية أو عسكرية السلطة النظام . وتشكل الهجمات العالية المستوى ما بين ثلث ونصف الهجمات الموثقة خارج منطقة داعش الأساسية ، وهو تركيز أعلى بكثير مما هو موجود في مناطق البادية الأساسية ، مما يشير إلى قدرة خلايا داعش على جمع المعلومات الاستخبارية خارج سيطرتها . واللافت الجديد في هجمات داعش الجديدة هو النشاط في المناطق الخاضعة لحكم القوات المدعومة تركيا .

بالخلاصة ، يظهر التنظيم في طور إعادة تنظيم صفوفه ، وإن كان ليس بالقوة السابقة . يعيد داعش تموضعه في البادية الشاسعة وترتيب أوراقه ويعمل على استثمار المناطق الجغرافية والاستراتيجية الهامة ، والدور الأمريكي في غض النظر عنه سابقا ، والاستفادة من الأوضاع السياسية والتوجهات المرحلية في ما بين الدول والأطراف . منذ 2019 ، يستمر في العمل التصاعدي ، ويشير تكثيف الهجمات مؤخرا إلى نتاج خلايا مهيكلة بشكل جديد ، وتوسع في نطاق العمليات ، ووصول إلى مناطق جديدة لم يصل إليها التنظيم سابقا ، وإعادة انتشار خلاياه مع ترجيح لتشكيل قطاعات جديدة ، وليس كما كان في السابق قطاع واحد للبادية ، كل قطاع لديه عدد من الخلايا التي تأتمر بقيادة القطاع ، الأمر الذي يفسره وجود هجمات متزامنة أو منفصلة . ويظهر من مناطق الهجوم التي تغطي شمال ووسط سوريا واستهداف كل من التركي والسوري والإيراني والشدة في طبيعة العمليات وجود نية وقدرة على توسيع العمليات أكثر.

ومع الأخذ بعين الاعتبار ، طبيعة الهجمات الحالية ، وسرعة انتشارها ، والأهداف المتمثلة في قوات النظام وحلفائه ، واحتجاز صهاريج شركة القاطرجي التي يستفيد منها النظام في ظل عقوبات قیصر وهبوط المروحيات الأمريكية في مراكز داعش ، ونقل زعماء وقيادات في داعش من سجون الحسكة والشدادي في الشهر الماضي والأسبوع المنصرم ، يمكن تبلور الدور الأمريكي المستفيد من إعادة إحياء التنظيم واستثماره في عمليات ضاغطة على النظام ، لا سيما مع عدم قدرة التحالف الدولي على التدخل في البادية السورية ، وفقا للوقائع الميدانية والسياسية ، لما تقدمه هجمات داعش في البادية السورية من مكتسبات تبحث عنها أمريكا وحلفاؤها هي استنزاف قوات النظام والقوات الإيرانية والروسية في هذه المنطقة . وقد تبقى أهداف داعش محصورة في عمليات استهداف واستنزاف لتلك القوات دون حد العودة إلى استعادة الأراضي التي كانت مسيطرة عليها سابقا ، على الأقل في المدى المنظور . فمع النظر إلى ضعف التنظيم ، قد تكمن قوته في الاستهداف الخاطف والتملص وعدم الاستقرار ، وقد تكون السياسة الأمريكية التي سبق أن غضت النظر عن داعش لسنوات وعن سرقة النفط السوري من قبلها ، تعاود تحريك الخلايا وتعاود استثمار تنظيم داعش ، وتترك ثغرات لتنظيم داعش ومنافذ كما فعلت سابقا ، بما يؤمن لها ذريعة بقاء القوات الأمريكية ، وقد يكون بصدد تهيئة المشهد السوري لحرب جديدة من قبل داعش تكون حرب استنزاف للروسي والإيراني والسوري ، ولربما التركي في شمال سوريا ، كنوع من معاقبة إدارة بايدن لتركيا .

إن هزيمة داعش ألحقت ضررا كبيرا بتنظيم دولة الخلافة ، فاندکت معه دولة أمر الواقع أو شبه الدولة الذي كان التنظيم يتحرك كجماعات متمردة لتعزيزها ، وهكذا ، بعدما استولى على الأراضي واحتفظ بها ، وأقام نظام حكم فيها ، وعمل على تقديم الخدمات العامة الواسعة للمدنيين من شرطة ومحكمة ونظام ضريبي وتعليمي وصحي وغيرها ، خسر تلك المقومات ، وعاد إلى مرحلة الصفر . حاليا ، يعاود التنظيم اصطفافه انطلاقا من المستوى الأول كتنظيم إرهابي يعتمد العمل السري والأمني ، إذ يلجأ إلى العمليات الجزئية الموضعية دون الكبيرة . كما ويتجنب الظهور الإعلامي والشعبي . وقد يستفيد من بعض الأعمال الدعائية من فيديوهات واستخدام المواقع التواصل الاجتماعي مجددا . أما الإجابة عما إذا كان يستطيع التنظيم أن يستعيد مستوى الحكم المتمرد ويفرض حكمه على المناطق المكتسبة فهو سؤال يحتاج إلى التوقف بالتحليل عند عدة نقاط ، أهمها :

• الحاجة إلى الوقت والانتقال من مستوى الجماعات الإرهابية إلى جماعات العصابات وصولا إلى جماعات التمرد


• الحاجة إلى التسلح والدعم والتمويل ، لا سيما وأن حقول النفط التي سرقها سابقا بتواطؤ أمريكي تخضع لسيطرة القوات الأمريكية والوكيل الكردي ، قسد .


• هزيمة المشروع التكفيري ، والوضع النفسي لجماعة التنظيم بعد الخسائر الفادحة التي ألحقت بالمشروع.


• مدى استثمار داعش لحالات الاستياء الشعبي في زيادة التجنيد ، لا سيما في مخيمات أهالي داعش والأوساط الداعمة .


• مدى الاستثمار الأمريكي لداعش ، وفي أي اتجاه ومحور ، وعمليات التهريب والهروب من سجون داعش الواقعة تحت سيطرة قسد
•الدور التركي وماهية الإجراءات المضادة لاستهداف قواتها من قبل داعش .


•نقاط الضعف البنيوية في التنظيم من قبيل تعدد الزعامات والإمارات وضعف القيادة وافتقاد التماسك .


• صلابة محور المقاومة وجهوزيته سواء للأمريكي واسرائيلي أو التكفيري .

 

المصدر :مركز الإتحاد للإبحاث و التطوير

 

 

منبع خبر: تابناک

اخبار مرتبط: تحرکات داعش في سوریا